بعد أن فقد هيبته..مورينيو يواجه نفسه بعودة تاريخية لدوري الأبطال

 

عاد سبيشال وان إلى دوري الأبطال، بعد غياب دام قرابة 7 سنوات، ومعه ينتظر أن يرتفع الصخب في البطولة التي تعد المرجل الذي تغلي بداخله المنافسة، وتبنى على نتائجه مصائر المدربين، وترصد من أجله موازنات بالملايين.

عاد جوزيه مورينيو إلى دوري أبطال أوروبا، واشتاق كثيرا إلى رفع كأسها ذو الأذنين، والذي أدخله التاريخ بعد أن حققه للمرة الأولى رفقة ناديه الوطني بورتو، ثم كرر الأمر مع إنتر ميلان، لكنه منذ ذلك الوقت، بات كالتائه الذي يبحث عن مبتغاه، فتحرك كثيرا بين أندية القارة العجوز، ولم يكمل فترته مع أي ناد، حتى فنربخشة في الدوري التركي، والذي أقاله بعد خسارة لم تكن في الحسبان.

إقالة غريبة وتعاقد أغرب

توقع الجميع أن يدخل مورينيو في دائرة النسيان، بعد الفشل في الدوري التركي، الذي يعد مجرد العمل فيه اعتراف بالابتعاد عن دوريات النخبة الأوروبية، وكأنه ارتضى مقعدا في الظل يشغل به نفسه، ويستعد من خلاله لإنهاء مسيرته مع الكرة، لكن مكالمة مفاجئة وصلته من رئيس نادي بنفيكا البرتغالي، وكأنها كانت طوق النجاة في بحر تقوده الأمواج المتلاطمة نحو المجهول.

قبل مورينيو بالمهمة على الفور، وعادت الحياة لتدب في أوصاله، ولم يناقش كثيرا المردود المالي، الذي يعادل أو يقل عن مدرب متوسط القيمة في دوري متواضع، والهدف هنا واضح، الوقوف مقابل الجمهور م والإشارة بإصبع السبابه وهو يقول (أنا سبيشال ون) من جديد.

صدام مبكر نقله للعالمية

عرف عن مورينيو الذي بدأ كمساعد ومترجم للمدرب الإنجليزي بوبي روبسون بشخصيته الكاريزمية، واعتداده بالنفس لدرجة (الغرور) الذي اعتبره دوما هوية لما يفعل، وقدرة على تنفيذ الأفكار العبقرية التي غيرت الشكل التكيكي لكرة القدم الحديثة.

انتقل جوزيه مع روبسون إلى بورتو ثم برشلونة، حيث تعلم الكثير عن الإدارة الفنية، ولم ينتظر كثيرا ليخوض أولى تجاربه المستقلة، والتي كانت مع بنفيكا، الذي حقق فيها بداية متميزة، لكنه سرعان ما دخل في خلافات مع رئيس النادي، ليستقيل بعدها وينتقل إلى أونياو ليريا، حيث أثبت جدارته ولفت أنظار نادي بورتو في موطنه البرتغالي، الذي تعاقد معه في عام 2002، وسرعان ما غير شكل الفريق وحوله إلى ماكينة تكتيكية صارمة، ليطيح بخصومه في دوري الأبطال واحدا تلو الآخر، ويتوج المعجزة بتحقيق اللقب، وأضاف له لقب الدوري البرتغالي وكأس الاتحاد الأوروبي في ثلاثية تاريخية خلال عامين فقط.

رحيل إلى تشيلسي من البوابة الأوروبية

بعد النجاح الكبير مع بورتو، كان رئيس نادي تشيلسي الملياردير الروسي ابراموفيتش يراقب هذا المدرب الشاب، وسرعان ما استدعاه إلى لقاء على يخته الفخم، ويبرم معه اتفاق لقيادة الفريق في شهر يونيو من عام 2004، والشرط هنا  على رفع الجانب التنافسي في الفريق ووضعه على طريق البطولات.

فتح إبراموفيتش خزائنه لمورينيو الذي جلب صفقات ضخمة غيرت شكل الفريق بالكامل، حيث تعاقد النادي مع المهاجم دروغبا، والمدافعين كارفاليو وفيريا وكيزامبا، والحارس بيتر تشيك، ولاعب الوسط تياغو مينديز والجناح الخطير أريين روبن، ليتحول الفريق إلى قوة عظمى في البريميرليج، ويعيد سريعا البلوز إلى منصات التتويج بعد غياب طويل، محققًا الدوري الإنجليزي لأول مرة منذ 50 عاما.

رغم تحقيقه كأس الرابطة مرتين وكأس الاتحاد الإنجليزي، إلى جانب لقب الدوري، قرر مورينيو مغادرة تشيلسي بعد 3 سنوات، وذلك إثر خلافات عميقة مع رئيس النادي إبراموفيتش، خاصة حول إصرار المدرب البرتغالي على السيطرة الكاملة على صفقات اللاعبين، وعدم رضاه عن تدخلات رئيس النادي فيها، إضافة لتباين الرؤى الفنية، حيث يرغب إبراموفيتش في كرة هجومية جذابة، بينما تمسك مورينيو في أدائه الواقعي والدفاعي، وجاءت القشة التي قصمت ظهر البعير بسقوط تشيلسي على ملعبه بالتعادل مع  روزنبورغ النرويجي في دوري الأبطال بعد أداء باهت، ليتم الإعلان عن الانفصال بين باتفاق متبادل.

صناعة المجد في إيطاليا

بعد الخروج من تشيلسي والمعجزة التي تحققت مع النادي الإنجليزي، سارع إنتر ميلان إلى استقطاب مورينيو، من أجل إعادة مجده الأوروبي، لتنفجر طاقات السبيشال وان، ويحقق مع النادي الثلاثية التاريخية (دوري أبطال أوروبا، الدوري الإيطالي، وكأس إيطاليا) ليستعيد هيبته الأوروبية، ويفقز سيرعا على قمة مدربي الكرة، لتبدأ عيون الكبار في التركيز عليه والتفاوض معه بعد ما حققه في إيطاليا.

ريال مدريد..تجربة لها وعليها

ويبدو أن ريال مدريد كان يراقب هذا المدرب الذي قلب الموازين في إنجلترا وإيطاليا، وبمجرد تتويجه بالأبطال مع الإنتر، كان رئيس الريال فلورنتينو بيريز يحمل القلم، ويوقع عدا لمدة 4 سنوات مع مورينيو وذلك في 31 مايو من عام 2010 وبراتب قياسي وصل إلى 10 ملايين يورو في الموسم.

نجح المدرب البرتغالي في إعادة الروح للريال بعد أن تحطمت آمالهم مع المدرب مانويل بليجريني، الذي لم يحقق أي لقب محلي مع الملكي، وخرج لتوه من دوري أبطال أوروبا على يد ليون الفرنسي.

لم يحظ جوزيه في سنته الأولى بأي لقب، نظرا لهيمنة برشلونة بقيادة جوارديولا على الكرة الإسبانية والأوروبية، لكنه في العام التالي كسر هيبة جوارديولا، وحقق لقب الليجا الإسبانية برقم قياسي من النقاط، كما حقق كأس الملك، لكنه فشل في تحقيق الهدف الكبير وهو لقب دوري الأبطال، ليتم الاستغناء عن خدماته بعد 3 سنوات، بسبب عمق خلافاته مع بيريز وعدد من اللاعبين، وأبرزهم قائد الفريق وحارس مرماه إيكر كاسياس الذي اضطر في النهاية للرحيل نحو البرتغال.

عودة إلى تشيلسي وأزمات الرحيل

 بعد 48 ساعة فقط من مغادرته مدريد، كان مورينيو يعلن عودته إلى تشيلسي، حيث تبين أنه كان قد أتم الاتفاق معه، نظرا لتعمق الخلافات داخل جدران النادي الملكي، وشعوره بأن هناك شيء ما يدبر ضده.

في تجربته الثانية مع تشيلسي بين عامي 2013 و2015، عاد جوزيه مورينيو إلى النادي اللندني بطموح استعادة المجد، ونجح بالفعل في تحقيق إنجازات مهمة، رغم أن النهاية لم تكن كما أرادها، فعاد للتويج بلقب الدوري الممتاز  2014-2015 في موسم مميز تصدر خلاله الترتيب من الجولة الأولى وحتى الأخيرة، حيث اعتمد على توازن دفاعي وهجومي، مع تألق إيدين هازارد، دييغو كوستا، وسيسك فابريجاس.

كما تغلب في نهائي كأس الرابطة على توتنهام وتوج باللقب، لكنه في الموسم التالي بدأ الموسم بشكل كارثي، حيث خسر الفريق 9 مباريات من أول 16 جولة، ودخل مورينيو في صراعات مع بعض اللاعبين، أبرزهم إيدين هازارد، ومع الطاقم الطبي (حادثة المعالدة  إيفا كارنيرو) مما أدى إلى رحيله.

نجاح وفشل في يونايتد

تولى جوزيه مورينيو تدريب مانشستر يونايتد في مايو 2016، خلفًا للهولندي لويس فان خال، في محاولة لإعادة النادي إلى منصات التتويج بعد سنوات من التراجع عقب اعتزال السير أليكس فيرغسون.

لعل إنجازه الوحيد مع الشياطين كان تحقيقه لقب الدوري الأوروبي، الذي اعتبر مقبولا لدى جماهير النادي بعد سنوات عجاف، لكن الإنجاز سجل لمورينيو باعتباره جمع بين لقبي الدوري الأوروبي والأبطال، ولاحقا حقق إنجازا قياسيا بفوزه بلقب المؤتمر الأوروبي مع روما، كأول مدرب يحقق الألقاب الأوروبية الثلاثة.

تجربة مورينيو لم تطل مع اليونايتد رغم تحقيقه كأس الرابطة الإنجليزية والدرع الخيرية، لكنه حقق المركز السادس في الدوي بموسمه الأول، وفي الموسم الثاني حقق وصافة الدوري بعد تشيلسي وهو أفضل مركز يحققه الفريق بعد اعتزال فيرجسون، وخسر نهائي كأس الاتحاد أمام تشيلسي، لكن الانتقادات كانت شديدة بعد خروجه من دور الـ 16 لدوري أبطال أوروبا بعد الخسارة أمام إشبيلية على أرضه وبين جماهيره في مباراة الرد رغم التعادل ذهابا، حيث تركزت الانتقادات على الأسلوب الدفاعي الرتيب للفريق.

في العام الثالث كان مورينيو يحقق بداية سيئة في الدوري، مع تراجع الأداء الجماعي وتوترات داخل غرفة الملابس، ودخل في صراعات علنية مع بعض اللاعبين وفي مقدمتهم بول بوجبا، إضافة لانتقاداته المتكرر للإدارة بسبب ضعف سوق الانتقالات، حيث تمت إقالته في 18 ديسمبر 2018 بعد الخسارة أمام ليفربول، واحتلال الفريق المركز السادس بفارق كبير عن المتصدر.

انهيار السمعة منذ  توتنهام

بعد 11 شهرا من الابتعاد عن التدريب عقب الإقالة من اليونايتد، كان توتنهام يجد ضالته في مورينيو، بعد خسارته نهائي دوري الأبطال مع مدربه السابق بوكيتينو، لكن تلك الفترة منحت مورينيو هامشا من العمل كمحلل تلفزيوني شد أنظار الجماهير، لكن شغفه التدريب أعاده سريعا إلى الدوري الإنجليزي من بوابة السيبيرز.

مورينيو لم ينجح في تحقيق الألقاب مع توتنهام، لكنه أعاد بعض الانضباط التكتيكي للفريق، لكن التجربة كشفت صعوبة تطبيق أسلوبه الدفاعي في نادٍ يطمح للعب الهجومي الجذاب، لتتم إقالته بعد وصوله إلى نهائي كأس الرابطة، بشكل غريب في توقيتها، ورغم الإقالة، ظل يحظى باحترام بعض اللاعبين، مثل هاري كين، الذي وصفه لاحقًا بأنه "مدرب كبير".

روما والحلم الأوروبي

في مايو 2021، كان مورينيو يحط رحاله في نادي روما الإيطالي، وهي تجربة اعتبرها بعض المراقبين والمحللين تراجعا في مسيرة السيبيشال وان، خاصة وأنه اعتاد على تدريب أندية القمة محليا أوروبيا، لكن روما رغم كونه أحد ركائز الكرة الإيطالية، إلا أنه كان يمر في أزمات فنية متلاحقة أبعدته عن منصات التتويج، تاركا الألقاب لقطبي ميلان ويوفنتوس ومعهم نابولي.

مورينيو ركز كثيرا على أوروبا، حيث وضع كل خبرته في دوري المؤتمر الأوروبي الذي حققه في سنته الأولى بعد التغلب على فينورد الهولندي، ودخل بهذا الإنجاز التاريخ من أوسع أبوابه، بعد أن جمع الألقاب الأوروبية الثلاثة (الأبطال، الدوري الأوروبي، ودوري المؤتمر الأوروبي) كأول مدرب في التاريخ.

لكن على المستوى المحلي، لم ينجح مورينيو في إنقاذ الفريق، حيث لم ينجح في التأهل لدوري الأبطال، وبقي مركز روما يتراوح بين السادس والسابع، كما توترت علاقته بالإدارة بسبب سياسة التعاقدات، وأعلن في يناير من عام 2024 إقالته رغم الشعبية الكبيرة التي تمتع بها في روما.

فنربخشة  وتراجع السمعة

في 1 يونيو 2024، أعلن نادي فنربخشة تعاقده مع مورينيو لاستعادة هيبة الفريق ودخوله على خط المنافسات الأوروبية، وإذا كان روما أول خطوة للخلف في مسيرة السبيشال وان، فإن النقاد اعتبروا أن فنربخشة تراجعا كبيرا في مسيرة المدرب البرتغالي، بابتعاده للمرة الأولى عن الدوريات الخمس الكبرى منذ تعاقده الأول مع تشيلسي، لكن مورينيو دخل التحدي لإثبات أنه لا زال موجودا، ووعد جمهور الفريق التركي بالسمن والعسل، وحقق المركز الثاني في موسمه الأول، لكن موسمه الثاني شهد مغادرته سريعا بعد سقوط الفريق في محطته الأولى في دوري أبطال، ليعود سريعا إلى البرتغال مع فريقه الأول..بنفيكا.

عود على بدء

وقد يكون الحظ أو الصدفة، هو من وضع مورينيو في طريق تشيلسي اليوم، وهو يعود لدوري أبطال أوروبا بعد غياب طويل، لكنه لم ينس تلك الحقبة الذهبية التي ساهمت في شهرته الواسعة عالميا، ووضعته سريعا على خريطة أفضل مدربي الكرة في العالم، وعن هذا صرح بأنه يدرك تماما التقدير الكبير الذي يحظى به بين جماهير تشيلسي، ويعلم أن صوره ما زالت معلقة في أروقة النادي بعد تحقيقه للدوري الإنجليزي في حقبتين، لكنه سيرتدي لون بنفيكا الأحمر، وسيتخلى عن قلبه الأزرق.

فهل يكون للصدفة أيضا كلمة في نجاح مورينيو في تجربته الثانية مع بنفيكا؟

إرسال تعليق

أحدث أقدم