لم يكن فوز برشلونة على ريال سوسييداد بنتيجة (2-1) على ملعب لويس كومبانيس الأولمبي، مجرد انتصار جديد يضاف إلى رصيد الفريق ويمنحه صدارة الدوري الإسباني، بل حمل معه حدثًا خاصًا انتظرته جماهير "البلوجرانا".
ففي هذه المواجهة، دون اللاعب الشاب بيدرو فيرنانديز، المعروف بلقب "درو"، أول سطر في مسيرته مع الفريق الأول، وهو لا يزال في سن 17 عامًا، ليصبح أحدث الوجوه الواعدة التي يفرزها مصنع النجوم "لا ماسيا".
بداية الحلم
ولد بيدرو فيرنانديز عام 2008 في بلدة نيجران الصغيرة بإقليم جاليسيا، وبدأ مسيرته في نادي بلدته المحلي، حيث لفت الأنظار بموهبته المبكرة ورؤيته المميزة للملعب.
وفي صيف 2022، انضم إلى أكاديمية برشلونة "لا ماسيا"، ليبدأ رحلة جديدة داخل واحد من أفضل مصانع المواهب في تاريخ كرة القدم.
ومنذ وصوله إلى برشلونة، أظهر اللاعب الشاب، شخصية قوية وقدرات فنية مثيرة، لدرجة جعلته يتدرج بسرعة غير معتادة.
فبعد أن بدأ مع فريق تحت 16 عامًا، قفز إلى فرق الشباب، ثم انتقل إلى فريق تحت 19 عامًا الموسم الماضي، حيث ترك بصمته في دوري أبطال أوروبا للشباب، إذ لعب وسجل وساهم في تتويج الفريق باللقب.
هذه النجاحات المبكرة عززت قناعة مسئولي النادي الكتالوني، بأن بيدرو فيرنانديز يملك كل المقومات ليصبح لاعبًا للفريق الأول.
خطوة في جولة آسيا
البداية الجدية مع الفريق الأول، جاءت في صيف 2025، حين قرر المدرب هانز فليك، ضمه إلى جولة برشلونة الآسيوية.
لم يكتف درو بالمشاركة، بل خطف الأنظار سريعًا عندما سجل هدفًا في شباك فيسيل كوبي الياباني، في المباراة التي انتهت بفوز برشلونة (3-1) يوم 27 يوليو/تموز الماضي.
هذا الهدف مثل رسالة واضحة إلى الجهاز الفني والجماهير، بأن النادي على موعد مع موهبة حقيقية قادمة من أكاديمية لا ماسيا.
أول ظهور رسمي
جاءت اللحظة التاريخية يوم 28 سبتمبر/أيلول الجاري، في مباراة قوية ضد ريال سوسييداد.
وارتدى درو، القميص رقم (27) وشارك أساسيًا محل داني أولمو، ولعب الشوط الأول كاملًا.
ورغم رهبة المناسبة، أظهر شجاعة كبيرة وجودة فنية مميزة، حيث لمس الكرة 32 مرة، ومرر 26 كرة، منها 24 صحيحة بنسبة دقة بلغت 92.3%، كما نجح في مراوغتين وربح صراعًا هوائيًا.
هذه الأرقام قد تبدو بسيطة على الورق، لكنها تعكس ثقة لاعب شاب في مواجهة دفاع صلب وأجواء تنافسية من العيار الثقيل.
تجديد دماء البلوجرانا
منذ توليه قيادة برشلونة، أبدى المدرب الألماني هانز فليك، إيمانًا كبيرًا بقدرات أبناء أكاديمية لا ماسيا، وجعل من دمجهم مع الفريق الأول، ركيزة أساسية في مشروعه.
فمنذ الموسم الماضي وحتى الآن، منح فليك، الفرصة لعدد من المواهب، منهم مارك بيرنال، سيرجي دومينجيز، أندريس كوينكا، توني فيرنانديز، داني رودريجيز، وجوفري تورينتس.
ومع ظهور درو، يصل عدد اللاعبين الشباب الذين منحهم فليك، فرصة الظهور الرسمي إلى 7، مما يعكس استراتيجية واضحة تهدف إلى بناء فريق متجدد يجمع بين الخبرة والطاقة الشابة.
وبعد المباراة، عبر درو عن مشاعره بصدق قائلاً "أنا سعيد جدًا، الأمر لا يُصدق. عندما أخبرني المدرب في الفندق أنني سأكون أساسيًا لم أصدق".
وتابع "شعرت بتوتر كبير، لكن بمجرد نزولي إلى الملعب هدأت. الظهور الرسمي الأول شعور لا يُنسى".
وأضاف "زملائي والمدرب ساعدوني كثيرًا، طلبوا مني فقط أن ألعب كما أفعل في التدريبات، وهذا منحني ثقة كبيرة".
وما يعيشه درو اليوم، يعيد إلى الأذهان قصص نجوم صغار انطلقوا من أكاديمية لا ماسيا، في سن مبكرة، مثل بيدري الذي خطف الأضواء بعمر 17 عامًا، وجافي الذي أصبح لاعبًا أساسيًا في خط الوسط رغم صغر سنه، وكذلك أنسو فاتي الذي كان أصغر هداف في تاريخ برشلونة بالدوري الإسباني.
كل هؤلاء مثلوا رهانًا ناجحًا للنادي على مواهبه الشابة، والآن ينضم درو إلى القائمة، في انتظار أن يثبت نفسه بشكل أكبر في قادم المباريات.
مستقبل واعد ورهان الجماهير
ظهور بيدرو "درو" فيرنانديز، يمثل بداية رحلة جديدة لموهبة تملك كل المقومات للنجاح.
فالجماهير الكتالونية، التي اعتادت رؤية نجوم كبار ينطلقون من أكاديمية لا ماسيا، مثل ميسي، بيكيه، تشافي، إنييستا، بوسكيتس ولامين يامال، ترى في درو، مشروع لاعب وسط قادر على حمل الراية مستقبلاً.
وإذا واصل مساره التصاعدي بنفس الهدوء والالتزام، قد يتحول قريبًا إلى أحد الأسماء التي تبني عليها برشلونة مستقبله.
وبينما يحتفل برشلونة بالانتصار على ريال سوسييداد وتصدر الليجا، يبقى الحدث الأبرز بالنسبة للكثيرين هو ميلاد نجم جديد من رحم أكاديمية لا ماسيا.
إنها اللحظة التي تُذكر العالم دائمًا بأن برشلونة لا يكتفي بشراء النجوم، بل يصنعهم من داخل جدران النادي.